الخطابة في الإسلام كانت وما زالت وسيلة قوية للتواصل بين القادة والشعوب، حيث يُستخدم هذا الفن البلاغي للتأثير والإقناع والتوجيه. ومن أبرز خطباء الإسلام الإمام علي بن أبي طالب، الذي برع في الخطابة بسبب الظروف السياسية والصراعات التي واجهها خلال فترة خلافته. تعد خطبته "الراعي والرعية" مثالاً رائعًا على بلاغته، حيث يعالج فيها العلاقة بين الحاكم والمحكومين، ويؤكد على حقوق وواجبات كل طرف في بناء مجتمع صالح.
الخطبة "الراعي والرعية"
ألقيت في أثناء حرب صفين، وهي مناسبة حساسة تتطلب التوجيه والإرشاد لبناء مجتمع يسوده العدل والإنصاف. الإمام علي (ع) استغل هذه الفرصة ليطرح موضوعًا مركزيًا يتناول فيه حقوق الحاكم والمحكوم، مشددًا على أهمية التوازن بينهما لتحقيق العدالة الإلهية والمجتمعية.
النص ينقسم إلى ثلاثة مقاطع رئيسية، حيث يبدأ الإمام علي في المقطع الأول بتأكيد الأطروحة المدعومة، وهي حقوق الراعي (الحاكم) وحقوق الرعية (المحكومين). يوضح أن كلاً من الطرفين له حقوق وواجبات يجب الالتزام بها، وأن توازن هذه الحقوق يضمن استقرار المجتمع وتقدمه. يكرر الإمام علي فعل "جرى" سبع مرات، مشيرًا إلى أن كل ما يحدث في هذا الكون يجري بإرادة الله وبحكمته، مما يؤكد على ضرورة الالتزام بأوامره لتحقيق الصالح العام.
في المقطع الثاني، يتناول الإمام علي حقوق الله على العباد
وكيفية بناء المجتمع الصالح من خلال التعاون والتناصح بين أفراده. هنا، يتجلى الحجاج بشكل واضح حيث يستخدم الإمام علي أسلوبًا منطقيًا مقنعًا يربط بين حقوق الله وحقوق المجتمع، مبينًا أن التزام الناس بواجباتهم تجاه الله يؤدي إلى تحقيق العدالة والرفاهية في المجتمع.
المقطع الثالث والأخير، فيختم الإمام علي خطبته بالتأكيد على حاجة الناس لبعضهم البعض. يدعو إلى التناصح والتعاون بين أفراد المجتمع، مشيرًا إلى أن هذه القيم هي الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع الصالح. يتضح في هذا المقطع أن الإمام علي يؤمن بأن المجتمع القوي والمتماسك هو الذي يقوم على التفاهم والتعاون بين أفراده، حيث يحترم الجميع حقوق الآخرين ويلتزمون بواجباتهم تجاه بعضهم البعض.
روابط التحميل
خطبة "الراعي والرعية" للإمام علي بن أبي طالب ليست مجرد خطاب ديني أو سياسي، بل هي درس في فن الخطابة وأسلوب الحجاج، حيث تتناول بشكل عميق العلاقة بين الحاكم والمحكوم وضرورة التوازن بين حقوقهم وواجباتهم. الإمام علي من خلال هذه الخطبة يقدم رؤية شاملة لبناء مجتمع صالح يسوده العدل والتفاهم، مؤكدًا على أن نجاح أي مجتمع يعتمد على التعاون والتناصح بين أفراده واحترامهم المتبادل.
