في مساءٍ دافئٍ تفوح فيه رائحة القهوة العربية، جلستُ بجانب جدتي كما كنت أفعل دائمًا منذ طفولتي. كان صوتها الحنون يملأ المكان دفئًا، وابتسامتها الهادئة تبعث في قلبي طمأنينة لا تشبه أي طمأنينة أخرى. كانت جدتي امرأةً عظيمةً رغم بساطتها، وجهها يشبه صفحةَ كتابٍ قديمٍ كتبت عليه الأيام سطورَ الحكمة والتجارب.
.webp "تعبير عن وصف الجدة")
كانت ملامحها جميلة رغم تجاعيد الزمن التي رسمت على وجهها خطوطًا من ذهب. عيناها تشعّان محبة وحنانًا، وصوتها الهادئ يحمل سحر الماضي وعبق الذكريات. عندما تتحدث، نصمت جميعًا احترامًا لها، وكأن كلماتها تخرج من قلبٍ نقيٍّ مملوءٍ بالخبرة والإيمان.
جدتي لم تكن مجرد امرأة عجوز في البيت، بل كانت قلب العائلة وروحها. تجمعنا حولها في الأعياد والمناسبات، تضحك معنا، وتدعو لنا، وتُذكّرنا دائمًا أن الرزق والبركة لا يأتيان إلا من الله، وأن الكلمة الطيبة صدقة. كنت أحبّ الاستماع إلى قصصها القديمة، عن الزمن الذي كان الناس فيه يحبون بعضهم دون مصلحة، وعن الأيام التي كان فيها الخبز البسيط يُؤكل بامتنان.
كانت جدتي مثالًا في الصبر. لم تشتكِ يومًا من التعب أو الألم، رغم أنها حملت في قلبها هموم السنين.
كانت تقول لي دائمًا: يا بُنيّتي، السعادة لا تُشترى، بل تُزرع في القلب.
وكنت أرى في عينيها صدق هذه الكلمات، فهي كانت تجد الفرح في الأشياء الصغيرة: في دعاء الفجر، في رائحة المطر، وفي ضحكة حفيدها الصغير.
في كل مرة كنت أودعها، كانت تمسك يدي وتوصيني أن أبقى قريبة من الله، وأن أساعد الناس ما استطعت.
وبعد رحيلها، ظل صوتها يرافقني في كل موقف، يهمس لي: افعلي الخير ونامي مطمئنة.
جدتي لم تكن مجرد إنسانة في حياتي، بل كانت جذرًا راسخًا علّمني معنى العائلة، ومعنى الحب غير المشروط. وستبقى في ذاكرتي دائمًا رمزًا للحنان، ونورًا لا ينطفئ مهما غابت.
